في طفولتي وقبل دخولي المدرسة ، كنت أرى الرجال الذين يأتون لزيارة أبي في المنزل ، أو الرجال الذين أشاهدهم خارجة من الأقارب والجيران ، كنت أنظر لهم نظرة شكلية على أساس أنهم عمالقة وأنا قزم لأني كنت صغير الحجم وقتها بحكم صغر سني ! فقد كنت أرفع رأسي عاليا كي أنظر في وجوههم ! والأهم بأني كنت أنظر لهم بأنهم عمالقة أيضا في كل شيئ فهم في نظري لايكذبون ولايغشون ولايحملون أي نوايا سيئة ، فهم في نظري رجال فوق الشبهات إن صح التعبير ، وكنت أتساءل وباستحالة ممزوجة بأمنية ، هل عندما أكبر سأكون مثلهم ؟ ففي تصوري بأن هذا الطفل الصغير النحيل(أنا) لايمكن أن يكون رجلا له هذه الهيبة وكل هذه الهالة الملائكية التي وضعتها عليهم!
وكان يدعم هذا الشعور عندما كنت أشاهد والدتي وهي تجري في كل أركان البيت لكي تظهر أمام ضيوف والدي من الرجال بمظهر يليق بهم وبصفاتهم الملائكية! فهي تارة تعد القهوة بشكل بروتوكولي عجيب وتعد الغداء كذلك بطريقة تجعلك تعتقد بأن الضيوف أو الرجال الذين لدينا هم رجال فوق العادة !! والبخور أيضا ! ولم تكن تهدأ حركة والدتي رحمها الله تعالى حتى يخرج آخر رجل من البيت !
حتى والدي كانت نفسيته تختلف كثيراً عندما يكون لديه رجل واحد فقط في المجلس!فلابد أن يقف كل من في البيت رجالاً ونساءً, في خندق واحد لخدمة هذا الضيف, فهذا يحضر القهوة وتلك ترتب سلة الفاكهة , وذاك يحمل الماء , وهذا يحضر البخور , فبيتنا وقتها أشبه ما يكون بثكنة عسكرية!!
أرأيتم وهل تصورتم معي كل تلك المشاهد السابقة وكل هذه البروتوكلات المنزلية والعسكرية ؟؟ لقد جعلتني أتوق شوقاً لأن أكبر بسرعة ,لكي أصبح رجلاً مثل هؤلاء الرجال الملائكة في نظري!! فمادام والدي هكذا وما دامت والدتي رحمها الله تعالى أيضاً هكذا, فإن هؤلاء الرجال يستحقون نظرتي وأمنيتي تلك لهم!
مرت الأيام والسنين, وكبر الطفل الصغير كما تكبر سائر المخلوقات , وتعديتُ مرحلة المراهقة, وما زالت تلك النظرة لأولئك متشبثة بي , فالرجل لا يكذب , والرجل لا يغش . والرجل لا يخادع , والرجل لا يمكن أن يحمل نواياً سيئة أبداً!!
وظلت تلك النظرة متشبثة بي طوال مراحلي الدراسية , حتى التحقتُ بالعمل , ودخلتُ معترك الحياة إن صح التعبير , وعرفتُ كمْ وكمْ كان ذاك الطفل الصغير مخطئاً بنظرته تلك للسادة الرجال !!
فتشوهت تلك النظرة التي كانت طوال سنين عديدة مغلفة بالهيبة والوقار والنظرة الملائكية …
فزميلي في العمل يأخذ من مكتبي ما يشاء دون استئذان , بحجة حسن النية (وما ذبحنا ألا حسن النية) وذاك الرجل الصديق يتوسل إليكَ بأن [تضمنه] في شراء سيارة له , وقد بيت النية وعزم الأمر بألا يسددها غيرك ومن حر مالك! وهذا الجار يضع القمامة أمام منزلي بلا أدنى درجات من الآدمية أو حتى الحيوانية!!
وذاك قد اقترض منك مالاً , ولم يسدده لكَ حتى إعداد هذه السطور! وهذا يمر من أمامك دون أن يلقي السلام متجاهلاً أو حتى ملغياً وجودك كلياً!! وهذا يأتي ليقول ماليس فيك
فهل هؤلاء الرجال هم نفسهم , الرجال الذين كنتُ أشاهدهم في مجلس والدي , أو في شارع حارتنا؟ كم تمنيتُ ألا تتغير نظرتي لهم وأن أبقى طفلاً أرفع رأسي لكي أرى وجوههم العالية….
انتهت
الخميس 2/7/1430
7,19مساءً
اخترت لكم
*ينبغي للرجل أن ينظر إلى وجهة, فإن كان حسناً استقبح أن يضيف إليه فعلاً قبيحاً, وإن كان وجهه قبيحاً استقبح أن يجمع بين قبيحين….!
دمتم بخير
وكان يدعم هذا الشعور عندما كنت أشاهد والدتي وهي تجري في كل أركان البيت لكي تظهر أمام ضيوف والدي من الرجال بمظهر يليق بهم وبصفاتهم الملائكية! فهي تارة تعد القهوة بشكل بروتوكولي عجيب وتعد الغداء كذلك بطريقة تجعلك تعتقد بأن الضيوف أو الرجال الذين لدينا هم رجال فوق العادة !! والبخور أيضا ! ولم تكن تهدأ حركة والدتي رحمها الله تعالى حتى يخرج آخر رجل من البيت !
حتى والدي كانت نفسيته تختلف كثيراً عندما يكون لديه رجل واحد فقط في المجلس!فلابد أن يقف كل من في البيت رجالاً ونساءً, في خندق واحد لخدمة هذا الضيف, فهذا يحضر القهوة وتلك ترتب سلة الفاكهة , وذاك يحمل الماء , وهذا يحضر البخور , فبيتنا وقتها أشبه ما يكون بثكنة عسكرية!!
أرأيتم وهل تصورتم معي كل تلك المشاهد السابقة وكل هذه البروتوكلات المنزلية والعسكرية ؟؟ لقد جعلتني أتوق شوقاً لأن أكبر بسرعة ,لكي أصبح رجلاً مثل هؤلاء الرجال الملائكة في نظري!! فمادام والدي هكذا وما دامت والدتي رحمها الله تعالى أيضاً هكذا, فإن هؤلاء الرجال يستحقون نظرتي وأمنيتي تلك لهم!
مرت الأيام والسنين, وكبر الطفل الصغير كما تكبر سائر المخلوقات , وتعديتُ مرحلة المراهقة, وما زالت تلك النظرة لأولئك متشبثة بي , فالرجل لا يكذب , والرجل لا يغش . والرجل لا يخادع , والرجل لا يمكن أن يحمل نواياً سيئة أبداً!!
وظلت تلك النظرة متشبثة بي طوال مراحلي الدراسية , حتى التحقتُ بالعمل , ودخلتُ معترك الحياة إن صح التعبير , وعرفتُ كمْ وكمْ كان ذاك الطفل الصغير مخطئاً بنظرته تلك للسادة الرجال !!
فتشوهت تلك النظرة التي كانت طوال سنين عديدة مغلفة بالهيبة والوقار والنظرة الملائكية …
فزميلي في العمل يأخذ من مكتبي ما يشاء دون استئذان , بحجة حسن النية (وما ذبحنا ألا حسن النية) وذاك الرجل الصديق يتوسل إليكَ بأن [تضمنه] في شراء سيارة له , وقد بيت النية وعزم الأمر بألا يسددها غيرك ومن حر مالك! وهذا الجار يضع القمامة أمام منزلي بلا أدنى درجات من الآدمية أو حتى الحيوانية!!
وذاك قد اقترض منك مالاً , ولم يسدده لكَ حتى إعداد هذه السطور! وهذا يمر من أمامك دون أن يلقي السلام متجاهلاً أو حتى ملغياً وجودك كلياً!! وهذا يأتي ليقول ماليس فيك
فهل هؤلاء الرجال هم نفسهم , الرجال الذين كنتُ أشاهدهم في مجلس والدي , أو في شارع حارتنا؟ كم تمنيتُ ألا تتغير نظرتي لهم وأن أبقى طفلاً أرفع رأسي لكي أرى وجوههم العالية….
انتهت
الخميس 2/7/1430
7,19مساءً
اخترت لكم
*ينبغي للرجل أن ينظر إلى وجهة, فإن كان حسناً استقبح أن يضيف إليه فعلاً قبيحاً, وإن كان وجهه قبيحاً استقبح أن يجمع بين قبيحين….!
دمتم بخير
